حديث الجمعة

هوامش الضياع

هوامش الضياع
لم يعد مستغرباً أن تحضر أي اجتماع أو لقاء في مثل زمانك فيتناقل الحاضرون بعضاً من أحداث الساعة المنشورة في وسائل التواصل الاجتماعي فيهولك أن كل الحاضرين شاهدوا ذلك المقطع وعرفوا أحداث تلك القصة بتفاصيلها وأحداثها وما صحبها من آثار وتفصيلات!
ولدى كل هؤلاء استعداد تام لاستعراض أكثر من حدث في ذات الوقت وعرض تفاصيله والحديث عنه بإمعان!
ولو أنك أوكلت إلى واحد من هؤلاء عملاً أو فكرة أو طلبت من أحدهم شيئاً يخدم به دينه ورسالته ومنهجه فغالباً ما يشكو لك ضيق وقته وكثرة واجباته في حين أنك تستطيع أن تفتح جوالك في أي ساعة من ليل أو نهار وتجده متصلاً وعلى عدد من وسائل التواصل الاجتماعي في ذات الوقت، ولو أنه حسب أوقاته الضائعة في تلك الهوامش في كل يوم لاكتشف أن لديه من الأوقات ما يستطيع أن يغيث بها العالم لو أراد!
فكيف إذا عرفت أن تلك الوسائل لم تكن مهمتها الأولى ضياع (وقته) أعظم مقدراته على الإطلاق وإنما رقّقّت دينه وسلبته معانيه للدرجة التي لم تعد الموسيقى لديه ذات شأن كبير فهو يسمعها من خلال تلك المقاطع التي يقلبها شبه يومي في شاشة جواله حتى ألفها، وتعرض أمام عينيه صور الفتنة في كل لحظة وقد كَلَّ بصره من كثرة النظر في تلك الصور حتى باتت إلفاً لا يجد فيها أدنى حرج، وقد قيل (كثرة الإمساس تميت الإحساس).
المؤلم في هذا كله أنه لم يعد يشعر بما يصيب دينه كل يوم للدرجة التي ثقلت عليه صلاته، وضعفت أوراده، ونضبت مشاعر الفرح بدينه وتخلص مع مرور الأيام من بعض مظاهر السنة أو هذّبها بزعمه على الأقل وتخلّف عن المشاركة في حمل هموم دينه وبات فارغاً من كل شيء إلا من الهوامش والضياع وهو مع كل ذلك لا يشعر بشيء!
وصدق الأول حين قال:
من يهن يسهل الهوان عليه..ما لجرح بميت إيلام
مؤسف جداً أنه لم يعد ثمة فرق بيننا نحن الكبار وبين أطفالنا كل بيده لعبه تناسب سنه وعقله وتسهم في ضياعه وتهميشه في النهاية، والله المستعان!
بقي أن يقال:
بعض هذه الأوقات فقط لو استثمر بشكل صحيح لكان كافياً لإسعادنا مدى الحياة!

 

د. مشعل عبد العزيز الفلاحي
الجمعة ١٤٤٠/٥/١٢