حديث الجمعة

تجربتي الصحية

تجربتي الصحية

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، وبعد:

في مرات كثيرة تصنع قناعاتنا فرقاً كبيراً في حياتنا وتؤثّر علينا سلباً أو إيجابا وتكتب حظها من واقعنا مع الأيام.

كنت مهملاً للعناية بالجانب الصحي ولدي قناعات شبه ثابتة بأن الاهتمام بهذا الجانب جزء من الفراغ الذي نشتغل به في مرات كثيرة ثم تحولت هذه القناعات تدريجياً حتى تلاشت وتكونت مكانها قناعات أخرى تجل هذا الجانب وتعده من الضرورات.

ومن أجل ذلك أجريت فحصاً طبياً شاملاً وتبين لي أنني بحاجة إلى العناية بالجانب الصحي في جملة من الجوانب، ومن تلك اللحظة فرضت على نفسي جملة من الالتزامات منها ترك السكر بالكلية، وتخليت عن كل الأطعمة التي فيها شيء من الزيوت وتركت الرز، وتنازلت عن الخبز الأبيض والتزمت بعشرين كيلو من المشي كل يوم وها أنا أحدثك عن التجربة ونتائجها بعد تمام ثلاثة أشهر من بدايتها لعلك تجد فيها ما يستحق التدوين!

أولاً: اتضح لي أن المسألة مسألة قرار وثمة رهان كبير كان من الأسرة خاصة على ترك (الرز) لأني كنت مغرماً به وكنت فيما مضى إذا تخلفت عن وجبته في الظهيرة كان لزاماً أن يتم تعويض ذلك في الليل فاستعليت بحمد الله تعالى على تلك العادة وقررت ألا تهزمني شهوة بطن!! وقل مثل ذلك في السكر الذي لم أكن أتخيل مشروباً بدونه!

ثانياً: تغيّر جزء كبير من تفكيري ونمط حياتي فلم يعد الطعام يمثل لي شيئاً مهماً، وأصبح عندي كقول الأول:

إذا رام الفتى برق المعالي..

فأهون فائت طيب الرقاد..

وأدركت أن جزءًا من الحياة الفكاك من أسر العادات السلبية والاستعلاء على بعض الشهوات العارضة في الطريق.

ثالثاً: تأكدت يقيناً بأن الإنسان إذا أراد أن يبني عادة فليجعلها في قالب ممتع فربطّت بناء عادة المشي بورد القرآن فكنت أمشي في المسجد من بعد صلاة الفجر للشروق، ومن بعد صلاة الظهر للواحدة والنصف، ومن بعد العصر للرابعة والنصف ومن بعد المغرب للعشاء.

وفي البيت من الحادية عشر للثانية عشر ليلاً، قريباً من خمس ساعات وكانت كلها بحمد الله تعالى تصرف لمراجعة القرآن ووجدت من اللذة والنعيم والفرح والبهجة ما لا يستطيع حرفي أن يعبّر عنه وكم كنت أروم ضبط القرآن ولا حيلة لي به وفاتني أن شيئاً لا تمنحه وقتك ومشاعرك وجهدك لا يجود عليك بمباهجه!

وإن شئت أن تقول بأن هذا العام من أرباح أيام عمري كلها فلك أن تقول .. ووجدت بفضل الله تعالى وتوفيقه في المقابل من البركة في مشاريعي وأوقاتي ما لم يكن لي على بال.

رابعاً: اطلعت خلال هذه الفترة على جزء من الثقافة الصحية من مقروءات ومسموعات وخبرات وعثرت على كلام رائع لابن القيم رحمه الله تعالى في الطب النبوي قال فيه:

الأمراض نوعان: أمراض مادية تكون عن زيادة مادة أفرطت في البدن حتى أضرت بأفعاله الطبيعية وهي أكثر الأمراض وسببها إدخال الطعام على الطعام والزيادة في القدر الذي يحتاج إليه البدن وتناول الأغذية قليلة النفع بطيئة الهضم والإكثار من الأغذية المختلفة التراكيب المتنوعة فإذا ملأ الآدمي بطنه من هذه الأغذية واعتاد ذلك أورثته أمراضاً متنوعة منها بطيء الزوال وسريعة.

وقررت حينها أن التزم بالوصية النبوية (وثلث لطعامه) وألزمت نفسي بذلك، وما أنا محدثك عن اللذة التي عثرت عليها من خلال هذا المعنى الكبير.

خامساً: عدت بحمد الله تعالى إلى الأدوية الشرعية (الفاتحة، والعسل، والحبة السوداء، وزمزم، وزيت الزيتون) ولزمت الفاتحة خلال هذه الفترة نفثاً على طعام وشراب وقراءة على بعض ما كنت أشعر به ويشعر به كثيرون في أقدامهم وأجسادهم وذهبت كلها ووجدت برد الشفاء بحمد الله تعالى وفضله ومنته.  

سادساً: وجدت من القوة والخفة والنشاط ما لا يصفه لك حرفي في مثل هذه المساحة، وقد كنت على سبيل المثال أعاني في وتري في مرات كثيرة فبات من أخف الأشياء علىّ حتى لو نمت في ساعات متأخرة من الليل.

سابعاً: كنت ملتزماً وما زلت بوجبة الإفطار في موعدها كل صباح، ووجبة الغداء ولم يتغيّر إلا نوعها فقط، ولم أعد أعتني بوجبة العشاء وإذا وجد شيء من ذلك فهو قبيل العِشاء أو بعده مباشرة وفي مرات كثيرة يكفي من ذلك تفاحة وزبادي، ونقص وزني خلال هذه الفترة من (٧٥) ك إلى (٦٧) ك .

وأخيراً: أردت أن أقول لك الإرادة تصنع كل شيء ومن غير اللائق أن تهزمك عادة أو شهوة وتلقي بك في هوامش الضياع، ولسنا بحاجة شيء وفي نفوسنا ومقدراتنا بعد فضل الله تعالى كل شيء.

وقد طال حرفي في هذا المقال ولكن لا تكتمل التجربة إلا بسطورها كلها وأرجو أن تكون هذه التجربة مثرية لواقعك معززة لأفكارك الإيجابية وتجاربك الفاعلة في الحياة.

 

الجمعة

١٤٤٠/٤/١٤