بوح المشاعر

نوافذ على الفجر

نوافذ على الفجر
كيف أصبحت؟ ما هي همومك التي برزت فجر هذا اليوم  في قلبك؟ بماذا تشعر هذه اللحظة؟ هل ثمة مرض يقلقك؟ أو دين يحاصرك؟ أو مشكلة تطاردك!
بما تشعر هذه اللحظة؟ هل لديك مشكلة مع إنسان! أو لم ينتظم لك وضع بيتك إلى الآن؟ مالك ولهذا الهم الجاثم على قلبك والشمس تملأ الكون ضياء، وربك يملك لك كل شيء! ما أروع هذا الدين! وما أجمله وهو يمكنك من الحرية كيف تشاء.
أيها المحزون من المرض هوّن على نفسك أتحسب أنك لو توقيت المرض لم يأتك، ولو فعلت حمية لم يصبك، ولو رتبت وضعك لم يفجعك؟
كلا لقد كُتب عليك كل ذلك قبل أن تخلق بخمسين ألف سنة فلا تقلق؟ أحبك الله تعالى فابتلاك، وأراد أن يرفع مقامك فاختبرك فقم متفائلا فقد خطوت إلى الجنان بأوسع من قدرتك، أما سمعت قول نبيك  (وَإِنَّ اللَّهَ إِذَا أَحَبَّ قَوْمًا ابْتَلاَهُمْ) أما بلغك خبر رسولك صلى الله عليه وسلم (لاَ يَزَالُ الْبَلاَءُ بِالْمُؤْمِنِ وَالْمَؤْمِنَةِ فِي نَفْسِهِ وَمَالِهِ وَفِى وَلَدِهِ حَتَّى يَلْقَى اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَمَا عَلَيْهِ مِنْ خَطِيئَةٍ).
إلى الذين خسروا أموالهم وفاتت عليهم أرباحهم، إلى الفقراء المعوزين، إلى من لم يجدوا بيتاً فارهاً، ولا سيارة جميلة، أو حياة كريمة كما يشاؤون، هذا هو قدر الله تعالى لكم ولو شاء الله تعالى لجعل لكم كل شيء، ينقص عليكم اليوم من هذا شيء كثير وتنالونه أوفر ما يكون بين يدي الله تعالى…
إن التجار أصحاب الأموال يحبسون يوم القيامة قبل دخول الجنة للحساب وأنت تدخل قبلهم للجنان بثلاثمائة وخمسين ألف سنةـ قلّت عليك هنا الدنيا ونقص ما في يدك فخفّ عليك حساب الآخرة وعانقت جنان الرحمن قبل بلوغ الأغنياء فهنيئاً لك، كل آلامك هنا إلى زوال وهناك أحلامك الباقية.
أيها المتعثر في حياتك، القلق على مستقبلك، الحائر في لحظتك أعلم أنك لم تجد وظيفة بعد!
وأعلم أنك تتلفّت في كل اتجاه رغبة في أن تسد حاجتك وتبني مستقبلك وأرجو أنه لم يصبك اليأس للإيمان الكبير في قلبك أما بلغك قول نبيك صلى الله عليه وسلم (أَنَّ مَا أَصَابَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَكَ وَأَنَّ مَا أَخْطَأَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَكَ).
أما بلغك قول رسولك صلى الله عليه وسلم (إِنَّ أَوَّلَ مَا خَلَقَ اللَّهُ الْقَلَمَ فَقَالَ لَهُ اكْتُبْ قَالَ رَبِّ وَمَاذَا أَكْتُبُ قَالَ اكْتُبْ مَقَادِيرَ كُلِّ شَىْءٍ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ).
والله لن يفتح باب الوظيفة حتى تحل الساعة المدونة في قدرك، واصل مسيرتك في البحث، وتعلّم، ونمي مهاراتك، واعمل على تربية نفسك وقم بحقوق الله تعالى وستأتي اللحظة التي تبحث عنها رغم زحام الكثيرين فلا تيأس.
إلى القلقين من الموت، الحذرين من مفارقة الحياة، إلى أولئك الذين كلما خرجوا في سفر خفقت قلوبهم خوفاً من هواتف الموت على رسلكم فالقدر لا يقربه سفر، ولا تدنيه وسيله، حتى لو لك وقعت في أسوأ الحوادث وأفجعها إذا لم يحل قدرك ستخرج من بين كل الموتى كالشعرة من فيّ السقاء ! ولو حلّت ساعتك لزارك الموت وسط بيتك، وعلى سرير نومك، وبين أهلك وذويك فلم القلق!
كن مستعداً للقائه، جاهزاً للحظته، وحينئذ ستتحوّل تلك اللحظة إلى ساعة أفراح، وقد كان الأول يقول وهو على فراش الموت ( غداً نلقى الأحبة .. محمداً وحزبه).
أولئك المظلومون، إلى الذين عملوا وعرقوا وتعبوا وتغربوا وجهدوا ولم يعطوا حقوقهم لا تقلقوا فإنما الوفاء عند الله تعالى يوم القيامة، إن كان فاتكم اليوم بضعة ريالات تنتهي مع مرور الزمان فإنما تبقى مع الظلم حسنات، وغداً تستوفونها ليس درهماً ولا ديناراً، وإنما أخذ حسنات ودفع سيئات، كم من مال جمعتموه وذهب ومال يقرب لكم الجنان.
إلى المخطئين الذين قيدتهم الخطيئة، إلى أولئك الذين سقطوا في حمأ الرذيلة وما استفاقوا إلا على ذل المعصية، قوموا إلى ساحات الحياة والتفاؤل والأمل، قوموا استقبلوا فيض الرحمة والعفو والغفران، قوموا واستبدلوا هذه العثرات بروائع التوبة من جديد.
قم فاقرأ (قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ) وخلّف كل تلك الذكريات البالية في عالم النسيان أما بلغك قول رسولك صلى الله عليه وسلم ( إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَبْسُطُ يَدَهُ بِاللَّيْلِ لِيَتُوبَ مُسِىءُ النَّهَارِ وَيَبْسُطُ يَدَهُ بِالنَّهَارِ لِيَتُوبَ مُسِىءُ اللَّيْلِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا).
أما قال الله تعالى لأولئك الموغلين في الخطيئة (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) قم فاستقبل ربك، واندم على حوبتك، واحمد ربك أنه لم يختم لك بها، ولم يجعلها وسماً باقياً في حياتك وإنما كانت لحظات عابرة استيقظ معها قلبك وعاد إليك ضميرك من جديد.
هذا هو الإسلام! هذه بعض روائعه الكبرى في حياتنا، كل شيء مكتوب لا يغادر لحظاته، وكل خطأ مغفور إذا أقبل صاحبه يرجو الغفران، ولن يهلك على الله تعالى إلا هالك، وظلام الليل فيه عارض والأصل بقاء أنوار الفجر، لقد جعلك الله تعالى كريماً، وأمرك أن تعيش حياتك كما تريد ولم يجعل لأحد من الخلق عليك سلطة، وزينك بعوامل الكمال، وقد سبقت رحمته تعالى غضبه، وخلق مئة رحمة أنزل منها رحمة واحدة هي تمثل كل هذه المباهج التي تراها في عالم الأرض، وأبقى لك في عرصات القيامة تسعة وتسعين رحمة تنتظر أن تفكك من مواطن السؤال والحساب..
وختاماً فقد قال نبيك صلى الله عليه وسلم (وَيُؤْتَى بِأَشَدِّ النَّاسِ بُؤْسًا فِي الدُّنْيَا مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَيُصْبَغُ صَبْغَةً فِي الْجَنَّةِ فَيُقَالُ لَهُ يَا ابْنَ آدَمَ هَلْ رَأَيْتَ بُؤْسًا قَطُّ هَلْ مَرَّ بِكَ شِدَّةٌ قَطُّ فَيَقُولُ لاَ وَاللَّهِ يَا رَبِّ مَا مَرَّ بِي بُؤُسٌ قَطُّ وَلاَ رَأَيْتُ شِدَّةً قَطُّ ).