تقديس الفرص

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على اشرف الأنبياء والمرسلين، وبعد

دخل شابان المسجد قبيل الإقامة بقليل فبادر الأول منهما لصلاة ركعتين قبل دخول الإمام وبقي الثاني ينتظر وصول الإمام، ولن تتخيّل الفرق بين الاثنين حتى تقرأ ما في صحيح مسلم من قوله صلى الله عليه وسلم (عليك بكثرة السجود لله فإنك لن تسجد لله سجدة إلا رفعك الله بها درجة وحطّ بها عنك خطيئة) وكان هذا الحديث جواباً منه صلى الله عليه وسلم لسؤال الصحابي حين قال : أخبرني بأحب الأعمال إلى الله ؟ أو أخبرني بعمل أعمله يدخلني الله به الجنة ؟

والسؤال المهم : لماذا بادر الأول لصلاة تلك الركعتين مع ضيق الوقت، وتنازل الأول عن ذات المعنى وفي نفس المكان؟ لقد كان الأول يدرك معنى (إلا رفعك الله بها درجة وحط عنك بها خطيئة) وفات على الأول ذلك المعنى ، وصنع هذا الفقه ذلك التفاوت بين الشابين.

إن مشكلتنا أننا لا نقدّس الفرص، وتفوت علينا لحظات وأعمال وأحداث مع سهولتها يمكن أن تكون هي في الآخرة كل شيء.

ماذا لو قيل لك : إن زيارة رحمك لا تمنحك أجراً فحسب وإنما تنقلك من الفقر للغنى، ومن قصر العمر إلى طوله كما في الصحيحين قال صلى الله عليه وسلم (من أحب أن يبسط له في رزقه وينسأ له في أثره فليصل رحمه) وهي في مرات لا تكلفك في الأسبوع إلا ساعة أو قل من ذلك بكثير! وصدقتك التي تبذلها لله تعالى كأنما تُقرض فيها ربك تبارك وتعالى (من ذا الذي يقرض الله قرضاً حسناً) والنتيجة (فيضاعفه له أضعافاً كثيرة)، وتجعلك في عداد من يُدعى لهم في كل صباح كما في الصحيحين قال صلى الله عليه وسلم (ما من يصبح فيه العباد إلا وينزل ملكان يقول الأول : اللهم أعط منفقاً خلفاً ويقول الآخر : اللهم أعط ممسكاً تلفاً)، ووجود والديك كلاهما أو أحدهما أبواب مفضية بك إلى الجنان كما قال صلى الله عليه وسلم (رضا الله في رضا الوالدين)، وتلاوتك لآيتين من كتاب الله تعالى في مقام ناقتين سمينتين وثلاث بثلات ولا تكلفك سوى دقيقة أو أقل من ذلك، ولن تدرك هذا المعنى حتى ترى مسناً يتوكأ على عصاه وقد فاته سن الشباب، ومريضاً على سرير مرضه يتحسّر على فوات العافية، ومشغولاً لا يكاد يفرغ لشيء من ذلك وقد كان فارغاً زماناً من عمره، وصدق صلى الله عليه وسلم حين قال (اغتنم خمساً قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل مرضك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك) ومثلى أوعى بالحياة !

الجمعة 27/1/1446هـ