تدبرات قرآنية حديث الجمعة

لا أبرح!!

لا أبرح!!
الحمد لله والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، وبعد:
حين اشتاق نبي الله تعالى موسى عليه السلام لمباهج العلم ونوى اللحاق بالخضر لتلك الأماني التي ينشدها، والآمال التي يرقبها كان يدرك تبعات الطريق وتكاليفه ومشاقه وعقباته فأصدر قراراً يصنع تلك الأماني الكبار ﴿وإذ قال موسى لفتاه لا أبرح حتى أبلغ مجمع البحرين أو أمضي حقباً﴾.
والمعنى: لا أزال أسير في الطريق مهما كان طول مسافته وعظم مشقته حتى أصل لملتقى البحرين الذي وعدت أن أجد فيه ما أريد، وسأظل كذلك حتى لو كلفني الطريق أن أسير زمناً طويلاً! وما زال كذلك حتى لقي مراده وبلغ أمانيه!
إن من أبرز سمات زماننا أنه بات يزهّد في الأماني الكبار، ويصوّر الأهداف بعيدة الأمد بالتعقيد ويجهد بكل ما يملك في تصدير معرفة هشة ضعيفة في زمن قصير جداً ويصفها في ذات الوقت بالإبداع والإدهاش! وينبز في المقابل كل معرفة يزيد زمنها ولو قليلاً أو يطول أمدها ولو كان طولاً معقولاً ويرى ذلك نوع من الاستكبار عن قبول الحقائق.
ومن خلال سبر لواقع كثيرين في عالم اليوم ستجد بأن قصر النفس لدى أجيال هذا الزمان أبرز ما يكون! حتى أن مجرد التفكير في مشاريع تأخذ زمناً أو تتحدث عن الكم غير قابلة للنقاش فضلاً عن التطبيق.
ولعل هذا المشهد المدهش من نبي الله تعالى موسى عليه السلام ﴿وإذ قال موسى لفتاه لا أبرح حتى أبلغ مجمع البحرين أو أمضي حقباً﴾، والذي نتعبد الله تعالى بقراءته كل جمعة يعيد بناء تصوراتنا بأن المشاريع الكبرى والأهداف الضخمة والأماني الكبار تحتاج إلى عزائم الرجال!
كم هي الأشواق اليوم إلى صاحب مشروع بدأ فيه وقرر ألا يتنازل عنه حتى يورده النهايات، وصاحب هدف يبدأ في رحلته مع البكور وما يزال في مشاهده حتى يرد منه في المساء على كل شيء!
واشوقاه لبطل صناعة المبادرات الكبرى جزء من شخصيته، والصبر على طول الطريق بعض مشاهده، ونزال التحديات أعظم ما يميزه!
يا أصحاب الهمم:
تعوذوا من الكسل، واستعلوا على الأماني الصغار، وانبذوا ضعف الهمم، وجدوا في الطريق، وقولوا لمن حولكم ( لا نبرح حتى تحين مواعيد النهايات ).