حديث الجمعة

فقه الاستثمار (٣)

فقه الاستثمار (٣)

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، وبعد:
مر مقالان في بناء هذا المعنى الكبير ووقف لي سؤال عارض وأنا أكتب في هذا المقال الثالث:  تُرى كم هم قُرّاء هذا المعنى قراءة نظرية؟ وكم في المقابل أولئك الذين صنعوا له مشاهد من العمل وكتبوا من خلاله قصة الحياة؟
وتذكرت في المقابل فقه تلك الأجيال التي كانت تُحسن العمل وتصنع من حرف العلم مباهج الحياة فهذا أبو بكر رضي الله تعالى عنه بلغ استثماره للدرجة التي يدخل يوم القيامة من أبواب الجنة الثمانية وفي الحديث: من أصبح منكم اليومَ صائمًا؟ قال أبو بكرٍ: أنا. فقال: من أطعم منكم اليومَ مِسكينًا. قال أبو بكرٍ: أنا قال: من عاد منكم اليومَ مريضًا؟ فقال أبو بكرٍ: أنا فقال: من تبِع منكم اليومَ جِنازةً؟ قال أبو بكرٍ: أنا، فقال رسولُ اللهِ ﷺ: ما اجتمعت هذه الخِصالُ قطُّ في رجلٍ إلّا دخل الجنَّةَ!
وبلال رضي الله عنه الذي سمع النبي صلى الله عليه وسلم أثر  نعليه في الجنة وحين سأله قال يا بلالُ حَدِّثْنِي بأَرْجى عَمَلٍ عَمِلْتَهُ في الإسْلامِ، فإنِّي سَمِعْتُ دَفَّ نَعْلَيْكَ بيْنَ يَدَيَّ في الجَنَّةِ قالَ: ما عَمِلْتُ عَمَلًا أَرْجى عِندِي: أَنِّي لَمْ أَتَطَهَّرْ طَهُورًا، في ساعَةِ لَيْلٍ أَوْ نَهارٍ، إلّا صَلَّيْتُ بذلكَ الطُّهُورِ ما كُتِبَ لي أَنْ أُصَلِّيَ!
وتجهيز عثمان رضي الله عنه لجيش العسرة حتى قال النبي صلى الله عليه وسلم (ما ضر عثمان ما فعل بعد اليوم !)
بقي أن يقال:  
أنا وإياك ما صنع فينا هذا الحرف؟
هل استطاع أن يحوّل بعضاً من أوقاتنا وأفكارنا وأموالنا ومسؤولياتنا لصالح دين الله تعالى؟
إن من علامات التوفيق لإنسان أن يحتفي بحرف العلم ويصنع له واقعاً في حياته بمجرد قراءته، ومن شؤم العلم ألا يصنع في حياة صاحبه شيئاً مدهشاً مع الأيام.