حين قال صلى الله عليه وسلم (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث : صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له) ذكّرني وإياك بأن الأصل انقطاع عمل الإنسان بموته، وأن ثمة أناس تُقبر أجسادهم في التراب وتبقى أعمالهم تجري عليهم مدى الحياة!
وفتح عقولنا إلى أنه ما كل صدقة أو علم أو ولد تكون لديها مؤهلات البقاء بل لا بد أن تكون صدقة جارية، وعلم ينتفع به، وولد صالح!
ولهذه المعاني كلها جاء جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنه لينقل لنا خبراً مدهشاً عن تلك الأجيال التي رافقت رسول الله صلى الله عليه وسلم وفقهت منه لغة الاستثمار حين قال: لم يكن أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أوقف! وحين نزل قول الله تعالى (لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون)، تقدم أبو طلحة رضي الله عنه قائلاً: إن أحب أموالي إلىّ بير حاء وإنها صدقة أرجو برها وذخرها عند الله تعالى.
وجاء عمر رضي الله تعالى عنه ليقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إني أصبت أرضاً بخيبر لم أصب مالاً قط أنفس عندي منها فما تأمر به يا رسول الله؟!
من أعجب أحوال هذا الفقه فقه تلك المرأة التي رأت حال الناس في زمن مضى فأوقفت قدراً ليطبخ فيه وكان كل بيت احتاج إلى ذلك القدر أخذوه فطبخوا فيه ثم أعادوه وما زال ذلك القدر ينتقل بين بيوتات المسلمين حتى توفيت تلك المرأة وجاء أحد الأثرياء وشراه بمئة ألف وجعله أرضاً ثم جاءت مصلحة للدولة على هذه الأرض فاشتريت بمليون وبني بهذا المليون عمارة أجارها السنوي اليوم مئة ألف!
ما حاجتنا اليوم إلى شيء حاجتنا لهذا الفقه وكم هي القدرات والإمكانات التي تحتاج منا إلى هذا الاستثمار!
قد يكون استثمارك الكبير في قلمك وفكرك، وقد يكون في وقتك حين تستقطع منه شيئاً لله تعالى تخدم به دينك، وقد يكون في مالك وراتبك من خلال مشروع يبقى لك ما بقيت الدنيا، وقد يكون الوقف الذي يبقيك حياً زمناً طويلاً في طاقاتك ومهاراتك!
وتذكّر في النهاية أن الحياة استثمار وأن لديك ما تصنع به لنفسك الحياة، ومن الغبن أن ترحل من الدنيا ولا يبقى لك شيء تجري به لنفسك الحسنات!