بوح المشاعر حديث الجمعة

بين عامين

بين عامين
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، وبعد:
في مرات كثيرة نجد في الظلام نوراً كافياً للحياة، وفي عمق مشكلاتنا وأزماتنا تبدو نافذة مطلة على الربيع، وحين تنحسر كل خياراتنا في أشياء ضيقة يتخللها رأي من خارج الدائرة يفسح لنا عن اتساع مدهش في خيار جاء متأخراً قبل فوات الأوان.
يا صديقي:
انتهى عامك (١٤٤١) بكل ما فيه، وانقضت أيامه الطويلة، وظروفه الصعبة، وأحداثه المؤلمة وبقيت ذكريات النجاح والصبر والفأل حية جذلة وما عداها فمات في ذكريات الأيام.
أعلم يقيناً يا صديقي أن أزمة (كرونا) تسيّدت الموقف في عامك بما خلّفت من آثار ولكنها في ذات الوقت خلّفت لنا أوقاتاً، وأوجدت لنا فرصاً، وصنعت لنا تحديات ما كانت لتكون لولا تلك الضائقة التي حلت بالعالم كله من شرقه لغربه ومن شماله لجنوبه! ولو أني عرضت لك جزءً من النجاحات الفردية التي تكونت لأشخاص لأدركت ما صنعت هذه الأزمة في قلوب الأحياء.
يا صديقي:
الحياة مغامرة جريئة أو لا شيء، وأثمن لحظاتنا تلك التي يتضخّم فيها تفاؤلنا رغم كل ما حولنا حتى يتأبى على الانحناء، وتنمو مشاعر الأمل في نفوسنا للدرجة التي نغرس فيها فسائل العمل حتى حين قيام الساعة وتغيّر معالم الكون (إذا قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فاستطاع أن يغرسها فليغرسها) ولا يقف عارض مهما بلغ حجمه عن تحدياتنا المدهشة في المساحات التي نعيش فيها.
أدعوك يا صديقي هذه اللحظة:
أن تأخذ ورقة وقلماً وتسجل فيها أهم ثلاثة أهداف في أدوارك الستة (دورك الإيماني، والأسري، والاجتماعي، والعلمي، والصحي، والمالي) أما دورك الكبير والأهم والأضخم في مساحة وقتك (مشروعك الشخصي) فهذا له جُل وقتك وفكرك ومشاعرك حتى لا يأتي نهاية العام إلا وتحكي لنا تراتيل مجدك وفصول نجاحك وإدهاشك لمن حولك من العالمين.
يا صديقي:
أما سألنا أنفسنا: متى نتوب؟ متى نتخلّص من الحرام؟ متى تصفو قلوبنا من حقدها وحسدها وكراهيتها وهجرها؟ متى نقيم لصلاتنا حقها من الرعاية والخشوع والإجلال؟ متى يكون لنا أوراد ثابتة لا تقبل الخلل سواء في صلاتنا وصيامنا وصدقاتنا وتلاوتنا لكتاب الله تعالى، وزيارة أرحامنا أو في كل ما يصنع لنا الحياة.
أما حان الوقت يا صديقي لنعيد تراتيل السحر، ومبادرة الصلوات مع الأذان، وحكايات الختمة كل ثلاث، وصيام الاثنين والخميس؟
لنتخلّص يا صديقي من فساد قلوبنا، وضراوة ألسنتنا في أعراض المسلمين، وتتبع عورات العالمين، ونسمو فوق كل خلاف، ونكبر على كل نزاع، ونتفوّق على عوارض الطريق.
أما آن يا صديقي:
أن نرفع سقف اهتماماتنا قليلاً فتكون لنا فكرة نعيش من أجلها، ومشروعاً يستحق منا التضحية، وقضية تُصرف لها مشاعرنا وأوقاتنا وجهودنا، وألا نكون وإياك ضمن المعنيين بهذا المعنى من كتاب الله تعالى (يا أيها الذين آمنوا مالكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثّاقلتم إلى الأرض أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلا قليل).
يا صديقي:
أنت مسؤول عن نفسك فضعها في المكان اللائق بها، وأسرتك من الأمانات الكبرى فلا تدخر شيئاً من وسعك في الترقي بها في مدارج الفلاح، وعقلك أثمن من أن يكون مزبلة يُرمى فيه كل مخلفات وسائل التواصل الاجتماعي، وإن استطعت أن تكون قارئاً نهماً فقد وقعت على أجل كنوز الحياة.
يا صديقي:
عامك الجديد (١٤٤٢) بدأ في الخطو فلا تسبق تلك الأيام أهدافك ومشاريعك، ونحن في نهاية الطريق ننتظر نجاحاتك لنسعد بها وتجري بها مشاهد القدوة في العالمين، فكن بطل الموقف، وصانع لحظة الفرق الكبير، وإياك وهوامش الحياة (وإنا لمنتظرون).