هتاف الناهضين
هتاف الناهضين
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، وبعد:
الشعور بالمسؤولية وحمل هموم المنهج والرسالة واحدة من صفات الكبار التي لم يخل منها زمن ولم تغب عن حقبة من حقب التاريخ في حياة الأمة كلها وما حاجة الأمة اليوم إلى شيء حاجتها إلى هموم مصلح يضحي من أجل أمته ويفزع ناصحاً في وسط مجتمعه ويكتب حظه من الحياة في تاريخ وطنه!
يحدثنا القرآن حديثاً يأخذ بالألباب عن شخصية استشعرت دورها ونهضت بواجبها وحملت الراية في وسطها ولم تتخل عن شيء من ذلك بدعوى انكفاء الآخرين عن واجباتهم وأدوارهم.
يعرض لنا القرآن حركة ذلك الناهض في أوساط مقلقة وأجواء مشحونة بالخوف والقلق للدرجة التي لا يستطيع أن يُظهر فيها إيمانه ومع ذلك شعر بواجبه وحمل قضيته وواجه واقعه وحاول جاهداً في إنقاذ الممكن ووقف في صف الحق حاملاً للنور في زمن الظلام (وقال رجل مؤمن يكتم إيمانه أتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله وقد جاءكم بالبينات من ربكم).
يمكنك أن تتخيّل هذه اللحظة حركة فرد في وسط أمة، ونشاط إنسان في أجواء مشحونة بالخوف والقلق للدرجة التي يكتم فيها إيمانه فضلاً على أن يسجل موقفاً من المواقف الخالدة في التاريخ!!
العجيب في قصة هذا الرجل أنه بذل كل ما يمكن واستفرغ جهده الفكري والمشاعري والجسدي فتراه يجوب الأرض ويستخدم أسلوب الإقناع (أتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله وقد جاءكم بالبينات من ربكم فإن يك كاذباً فعليه كذبه وإن يك صادقاً يصبكم بعض الذي يعدكم)، وتاره يستجيش مشاعرهم وعواطفهم (وقال الذي آمن ياقوم إني أخاف عليكم مثل يوم الأحزاب … وياقوم إني أخاف عليكم يوم التناد).
وحين صنع كل شيء وقام بواجبه الشرعي واستنفد طاقته في سبيل نجاة قومه ولم يجد آذاناً صاغيه لأفكاره ومفاهيمه أخذ يذكّر بعواقب التفريط (فستذكرون ما أقول لكم وأفوض أمري إلى الله) ثم لايتأسف في النهاية على فوات جهوده من قلوبهم وإنما يرد ذلك إلى الله فما تأخروا عن الاستجابة إلا لحكمة يريدها الله تعالى (إن الله بصير بالعباد).
وفي الختام يحكي لنا القرآن مشهد النهايات ويقرر لنا أنه ليس من شأن الدعاة والمصلحين قطف الثمار وإنما حسبهم بلاغ دين الله تعالى وحمل تكاليفه وإيصال مفاهيمه للعالمين كما هي في قصة هذا المؤمن الذي دفع كل شيء ولم يجد تلك الاستجابة من قومه ولكن كان ثمن تلك الدعوة ومكافأة تلك الجهود تلك النهاية الضخمة التي حملها القرآن إليه في مشاهد الختام (فوقاه الله سيئات ما مكروا)!!
وإذا تحقق لإنسان هذه الخاتمة فما ذا بقي له !!
يا أيها المصلحون:
بيوتكم ومساجدكم
مدارسكم ووظائفكم
مساحاتكم الممكنة
ابذلوا فيها كل ممكن ولا تتخلوا عن ثغورها لعلكم تبلغون من خلالها آمالكم أو يقيكم الله تعالى عواقب التفريط .
مقال أكثر من رائع ولا غرابة في روعة كتابات الدكتور مشعل الفلاحي، فهي تخرج من القلب لتلامس قلوب من يقرأ، وتقرر واقعًا، يسمو بنا في حياة، وينير لنا الطريق لنستدرك ما فات..