الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين ، وبعد: قال لي صاحبي يوماً: ألم تستوقفك مظاهر التفلّت من دين الله تعالى في حياة كثيرين؟! ألم تر انحسار السنة والتخفف منها في واقع من حولك؟!
قلت له لم أر ذلك ودعك من لغة التهويل والتعميم ولست بحاجة إلى شيء من الظلام حتى تمد في أثره وتغطي به مساحات النور التي نعيش في رحابها. ثم عاد متنهداً وهو يقول: بعض أصحابنا تركوا العمل واعتذروا من مشاريع البناء وتخلصوا من الأهداف التي كانوا يحلمون بتحقيقها ذات يوم!! فقلت له هوّن عليك تشاؤمك وخفف من أحزانك وتفاءل فمن ذكرت في حديثك كان شكلاً وصورة فحسب!
الإيمان الحق لا يهزمه الظلام العارض في الأفق، وهموم الإنسان بقضية ومشروع وفكرة أعظم ألف مرة من أن يتخلى عنها صاحبها ولو طال الطريق.
الإيمان الحق أصلب من أن تتوقف آثاره في حياة صاحبه لمجرد عارض في زمان ما، وليس أدل على ذلك من موقف سحرة فرعون حين أعلنوا عن هويتهم المفقودة من زمن طويل فقام إليهم متهدداً متوعداً ﴿قال آمنتم له قبل أن آذن لكم إنه لكبيركم الذي علمكم السحر فلأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف ولأصلبنكم في جذوع النخل ولتعلمن أينا أشد عذابا وأبقى﴾
فكان جواب الأرواح ﴿قالوا لن نؤثرك على ما جاءنا من البينات والذي فطرنا فاقض ما أنت قاض إنما تقضي هذه الحياة الدنيا﴾
مع أن إعلان الهوية بدين الله تعالى لتلك الفئة لم يسبق هذا القرار إلا بلحظات !
لعلك تقصد أولئك الذين عناهم الله تعالى بقوله ﴿ومن الناس من يعبد الله على حرف فإن أصابه خير اطمأن به وإن أصابته فتنة انقلب على وجهه خسر الدنيا والآخرة ذلك هو الخسران المبين﴾ ومثل هؤلاء يكفي هذا المعنى الذي أشار الله تعالى إليه في عدم الاعتداد بهم في شأن من شؤون الحياة !