تدبرات قرآنية

والصلح خير

والصلح خير
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، وبعد:
لو أن طبيباً ثقة أمسك بيدك بعد انتهاء زيارتك له وقال لك مرضك خطير ويكاد يودي بحياتك ويعرضك للهلاك لو لم تحافظ على هذه الوصفة التي سأعطيك فماذا ستصنع؟ هل تتوقع أنك تترك هذه الوصفة؟ أو تتغافل عنها؟ أو لا تعيرها اهتمامك؟
كلا! بل سيكون التزامك بها وحرصك عليها من كمال عقلك وفقهك ووعيك، ولو أنك أقدمت على أمر خطير يتوقف نجاحه على استشارة ناصح فأخذ بيدك وقال لك إياك أن تتم مشوارك أو تواصل الطريق فأقدمت ولم تع نصيحته ولم تأبه بها وإذا بك مع الأيام تقع في مستنقع المشكلات وتضيع أيامك في وحل الأزمات!
هذا كله فيما لو أخذ بيدك مثلك من الخلق من لا يعلم الغيب، ولا يدرك شيئاً عن مستقبل الأيام وإنما حسبه ما بلغه اجتهاده! فماذا لو أن الذي دلك على الطريق وأرشدك إلى ذلك الرأي، وأخذ بيدك إلى نافذة الحياة ربك الذي يعلم كل شيء وقال لك في قضية خلاف أو نزاع وشقاق (والصلح خير)؟!
ولو أن شقياً حاشاك لم يلتفت لقول ربه، ولم يعره اهتماماً ومضى مصراً على الخلاف والنزاع والفرقة والشقاق، وأبى أن يمد يده إلى والده أو ولده أو زوجه، أو صاحبه وصديقه رافضاً كل طريق يودي به إلى امتثال ذلك الأمر الرباني الكبير ( والصلح خير) فماذا تتوقع أن يجد في الطريق؟ ماذا سيخسر بإصراره على رأيه؟ وماذا سيفوته بهذا الإباء؟
تصوّر أن صائماً يحرم نفسه الطعام والشراب كل نهار رمضان طاعة لربه وتعظيماً لشأنه ورجاء فيما عنده وفي النهاية يُرمى بكل جهده عرض الحائط، ويُقذف به في عرض الطريق، ولا يُقبل منه شيء ويظل معلقاً لا قيمة له في حياة صاحبه قال نبيك صلى الله عليه وسلم ( تعرض الأعمال على الله كل اثنين وخميس فيغفر الله لكل عبد لا يشرك به شيئاً إلا المتشاحنين يقول الله تعالى انظروا هذين حتى يصطلحا).
هل تصوّر المشاحن ليالي رمضان بكل ما فيها من أفراح وتصوّر في المقابل أنه يكد ويتعب ويصوم ويقوم ويجهد في بناء مستقبله فإذا به من أشقى خلق الله تعالى حتى أن عمله لا يعرض على ربه ولا يتقبله منه وكانت النهاية أن لا شيء!
(فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا وتقطعوا أرحامكم . أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم) لعنهم الله! يا لخيبة هذه النفوس! ولشقائها في رحلة الحياة! تعمل وتجهد وتتعب وهي في ذات الوقت ملعونة مطرودة من رحمة الله تعالى!
ماذا لو كنت بطلاً واستعليت على خصومك فمسحت نزاعهم من قلبك، وترفعت عن معركة وهمية يديرها الشيطان معك، ووطئت بقدمك على رأيه وفكرته وخطته وغلبته في ميدان الصراع وتقدمت بإرادة صلبة إلى كل هؤلاء الذين اختلفت معهم فصافحتهم وألغيت تلك المعركة معهم وتفوقت على ذلك الصراع المحموم في قلبك لله تعالى ومن أجل الله!.
تخيّل وأنت تصنع هذا ونبيك صلى الله عليه وسلم يصف بعض مباهجك في ساحات القيامة (من كتم غيظاً وهو قادر على إنفاذه دعاه الله يوم القيامة على رؤوس الخلائق وخيّره من الحور العين ما شاء) .
إن الفرص يا صاحبي تعرض وتفوت، وأنا وإياك نعرف كثيرين اختلفوا وتنازعوا ورحل بعضهم للقاء ربه وعمله لم يعرض منه شيء، وبقي الآخر كذلك يجهد ويتعب وليس ثمة فرصة واحدة يمكن أن يتصالح فيها مع صاحبه وتعود الحياة إليه من جديد.
ها أنت تلقى رمضان معافى في جسدك وغيرك أنهكه المرض، وآمن في وطنك وغيرك شردته الحروب، وفي ظلال بيتك وأسرتك وغيرك وراء القضبان، وحل عليك هذا الشهر وأنت حي وغيرك في المقابر يشتهي أن لو عاد للحظة وقد فات الأوان .
(والصلح خير) ليست قصة، ولا دعوة صاحب تجربة، وإنما دلالة ربك ودعوتك إلى حياض التوفيق فإياك وضياع الفرص!