حديث الجمعة

(نافذة على القيم)

(نافذة على القيم )
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، وبعد:
حين يقلق الأب في بيته على جيب ثوبه، ويحاول جاهداً في إخفاء ماله، وكلما عاد إلى ثوبه وجده مسلوباً، ويظل يبحث عن صور للخروج من هذا المأزق، ويستغرق وقتاً طويلاً للبحث عن مكان آمن لماله، وله على هذا الواقع سنوات يزداد قلقه وتضيق لديه خيارات علاج هذا السلوك الذي يعانيه!
ومثل ذلك المعلم الذي لا ينتظم طالبه في دوامه، أو يعبث في كتابه، أو لا ينظّم وقته، ولا يحرص على صلاة الجماعة في مصلى مدرسته، وربما رأى صوراً مشينة في ثوبه وشعره وسلوكه، ولم تستوقفه هذه الصور كلها على كثرتها في واقعه فقط كان الذي يعنيه تلك المعارف والعلوم التي يدلي بها في حصته ثم تنقطع علاقته به عند صافرة النهاية!
أو مدير تلك المؤسسة التي يشغله لدرجة الغضب موظفه الذي يتأخر عن الدوام لا لأن الانتظام قيمة وإنما لأنه يمثّل له حرجاً أمام المسؤولين، ولا يعنيه بعد ذلك قضية الإنجاز وكم الأهداف التي حققها في يومه!
أو تلك الأسر التي تدفع على البناء المادي في حياة أبنائها أضعاف ما تصنعه لقضية القيم! يؤلمك أن الذي يمارس هذه الأخطاء هم المثقفون، والنُخب، والمنظّرون للبناء!
فإذا ما انتقلت للشارع العام ووقفت في طابور طويل في سيارتك تنتظر دورك على الصراف الآلي رأيت من يضع بطاقته مع صديق، أو يركب معه من الباب الآخر، أو يأتي ماشياً ويتسلل بقدمه قبل أن تصل إلى دورك، ولا يرى في ذلك أدنى حرج، أو ربما تتشكّل في صور أخرى تراها في رجل يعتني بنظافة بيته، ويجمع أكياس القمامة ثم لا يجد حرجاً أن يرميها على عتبة بابك أو في طريق المسلمين أو يلوّث بها البيئة العامة والواقع الفسيح.
كل هذه الصور التي أعرضها لك لا تنقصها المعرفة! بل كل هؤلاء يدركون خطأ الواقع الذي يعيشونه لكنهم لا يرونه قيماً كبرى تستحق كل هذا العناء! ولو توجّه القَلِقُ على جيبه إلى علاج المشكلة من أصلها، وبين حدود كل فرد في أسرته، وعلّقهم بقيم الرقابة الذاتية لصنع أجواءً آمنة وفك نفسه من قلق اللحظات!
وقل مثل هذا في كل من يؤدي دوراً، أو يقوم بواجب ومسؤولية، أو حتى يتعامل مع آخرين في واقع ما!
إن مشكلتنا الكبرى اليوم هي مشكلة قيم! وكل فرد فينا مسؤول عن إحياء هذه القيم في واقعه وبيته أولاً ، وفي دائرة عمله ومساحته الممكنة ثانياً حتى تتسع لتكوّن في النهاية واقعاً يستحق الاحتفاء، وثمة مساحات كثيرة نحتاج الحديث عنها في قضايا القيم هذه النافذة هي باكورتها، والله المسؤول أن يصلح الشأن ويبارك في العمل إنه ولي ذلك والقادر عليه.

 

د. مشعل عبد العزيز الفلاحي
16/08/1439هـ