وحي السيرة

من وحي السيرة (٢)

من وحي السيرة (٢)
ألقت خديجة رضي الله تعالى عنها وأرضاها في فجر الرسالة وشروق شمسها بحديث مدهش للغاية وذلك حين استقبلت زوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم مفجوعاً من لقائه بجبريل عليه السلام في غار حراء وكان فيما قالت (كلا والله لا يخزيك الله أبداً، إنك لتصل الرحم وتحمل الكل وتكسب المعدوم وتقري الضيف وتعين على نوائب الحق).
المدهش في هذا الوصف أنه قبل الرسالة، ومن زوجة خبرته مع الأيام، وجرى على أصول مكارم الأخلاق.
ثم يطول الفاصل جداً حتى تأتي عائشة زوج رسولنا صلى الله عليه وسلم ورضي الله تعالى عنها لتصف لنا مشهد الختام في حياة ذلك القدوة فتقول (صلّى رسول الله صلى الله عليه وسلم آخر حياته جالساً بعدما حطمه الناس).
ولك أن تتخيّل بعمق إنساناً مكدوداً في آخر عمره للدرجة التي لا يستطيع أن يقوم في صلاته لأنه استغرق عمره كله في هموم الآخرين وعاش بينهم يسقيهم الحياة ويدفع عنهم عوارض الزمان.
وما أنا عاد لك تلك الأحداث التي جرت بين الموقفين لتعرف لمَ صلى آخر حياته جالساً ولكني سأروي لك بعض مواقف تلك القدوة وروائع ذلك الإنسان.
نقل لنا القرآن موقفه صلى الله عليه وسلم وهو يستقبل في بيته هموم الناس وظروفهم ويهب لهم وقته ومشاعره (قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله والله يسمع تحاوركما).
وجاء في السنة أن مغيثاً سأله واستشفع به أن يعيد إليه زوجه بريرة وحكت لنا تلك الدواوين أنه طارد بريرة في الشارع العام يريد أن يسلي خاطر ذلك الزوج المكدود من فراقها ويعيد له الحياة.
وفي صحيح مسلم أن أمَةً في عقلها شيء سألته صلى الله عليه وسلم أن يسمع قصتها ويصغي إلى حديث مشاعرها فقال لها (أنظري إلى أي سكك المدينة شئت أجلس إليك).
ماذا لو أن كل فرد منا أخذ بجزء من هذه السيرة ثم قام بها في واقعه وأسقى العالمين منها الحياة .
مشعل الفلاحي
مساء الاثنين
١٤٣٩/٨/١٤