مفهوم الجماعة والأمة الواحدة
مفهوم الجماعة والأمة الواحدة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، وبعد:
حين أذن الله تعالى لنبيه إبراهيم عليه السلام أن يبني بيته أمره بأن ينادي في الناس لحجه وتعظيمه والقيام بشعائره فقال تعالى: (وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ)، ومن تلك اللحظة إلى يومنا هذا وبيته يعج بالحجاج والمعتمرين والعاكفين والطائفين والمصلين إجابة لذلك النداء في تلك الحقبة من الزمن.
وعين الناظر من ذلك الزمن إلى يومنا هذا بهيجة من الفرح وهي ترى ذلك المشهد الذي يجتمع فيه الحجيج في بقعة واحدة من أقطار الأرض على اختلاف أجناسهم ولغاتهم وبيئاتهم وألوانهم لا يفصل بينهم شيء وكلهم يلهج بذات الدعوة (لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك) في حين لو اجتمعت قوى التاريخ على أن تحدث جزءاً من هذا المشهد في بقعة من الأرض لعجزت!
المُبهج في المشهد أنهم بلباس واحد ويتجهون لذات الغاية ويتحركون وفق منهج مرتب لا يستطيعون أن يخالفوه في شيء.
هكذا يصنع الحج مفهوم الوحدة لا يتحدث عنها حديثاً نظرياً أو يرددها أمنية وإنما يملأ أعين المسلمين بهجة بمشاهدها الواقعية ويبعث في نفوسهم أمل أن ظلام الفرقة والاختلاف سيبيد يوماً ما وإن طال زمان ذلك الظلام!
إن الدرس المتين الذي يجب أن يشبع منه قارئ هذه الرسالة وهو يرى مشهد الحج أنه أحوج ما يكون إلى درس الوحدة وأن عليه أن يرمم علاقته بأسرته وأرحامه وجيرانه ومجتمعه وكل من تجمعه به رابطة الدين حتى يكون في النهاية جزءاً من هذا البناء وحلقة وصل في منظومته الكبرى.
مشهد الحج بالذات يرمم صور الخلاف بين الجماعة الواحدة ويسد فرج النزاع بين المختلفين ويذكّر كل فرد بأن يكون جزءاً من المنظومة لا نشازاً فيها. وعلى الأمة أن تفقه أن أول درس في الحج هو الاجتماع والائتلاف ونبذ الفرقة والخلاف وإعادة تصحيح الرؤية بشأن هذا المفهوم والبدء بخطوات التصحيح عملياً حتى تأتي في النهاية على أحلامها التي تريد.