لم يأت في كتاب الله تعالى مدحاً لأهل الإيمان مجرداً من العمل وكل الآيات في هذا الشأن متبوعة بالعمل الصالح كقوله تعالى: (والذين آمنوا وعملوا الصالحات)، وقوله تعالى:(وبشر الذين آمنوا وعملوا الصالحات)، وغيرها مما هو مبسوط في كتابه تعالى وفي هذا دليل على أنه لا قيمة للمعتقدات التي نؤمن بها ونتبناها إلا من خلال الأدلة والبراهين التي نقيم شواهدها في واقع الحياة.
يؤكد لنا الحج اليوم قيمة العمل والحركة الفاعلة وأن بلوغ أهدافنا التي نحلم بها مرهونٌ بالجهد الذي نبذله بعد ذلك في تحقيقها.
(من حج البيت) فخرج من وطنه وترك مألوفاته وغادر أرضه وودع علائقه ثم التزم بتكاليف الطريق (فلم يرفث ولم يفسق) وتحمّل أعباء الطريق تحقق له ذلك الجزاء الذي يريد (رجع كيوم ولدته أمه).
يذكرنا هذا المشهد اليوم بحاجة الأمة للعمل والبناء والتضحية وعلى أفرادها أن يتحوّلوا من مجرد أماني النصر التي يهتفون بها وهم على أرائكهم إلى مشاريع ناهضة يخرجون بها من أسر القعود والخمول إلى روح الجماعة والمشاركة الفاعلة في واقع الأحداث.
إن الفرد الذي استطاع أن يتغلّب على شهواته في مشاهد الحج، ويعيش ضمن هذه المنظومة، ويتفاعل معها، ويصبر على لأواء الطريق، ويتحمل تبعات الرحلة وتكاليفها الكبرى يستطيع أن يشارك في بناء الأمة، ويحوّل بعض مسافات الصحراء فيها إلى مساحات من الربيع.
إن النتائج الكبرى فرع عن العمل، واستنهاض الأرواح لا يتم إلا من خلال برامج ومشروعات ناهضة تحرك الفرد وتؤهله للتضحية والمشاركة الفاعلة كل على قدر جهده وإمكانيته، وعلى كل فرد في المقابل أن يستوعب دوره ويتحوّل من مجرد الشكوى التي يبثها عبر وسائل التواصل إلى البحث عن مشروعه الشخصي ودائرته المؤثرة ومساحته الممكنة التي يملأ بها واقع الأحداث ويخلق من خلالها مساحات النصر.
فما أنت صانع لنفسك ومجتمعك ووطنك وأمتك بعد وداع مشاهد الحج؟!