كم مرة تتملك الإنسان الدهشة وهو يقرأ قول الله تعالى: (بل الإنسان على نفسه بصيرة ولو ألقى معاذيره)، ويجد الإنسان نفسه مأسوراً لهذه المكاشفة الربانية لجنس الإنسان في ساحات الدنيا.
كم مرة حاول الواحد منا أن يخلق عذراً لتخلفه، ومساحة لتأخره، ومجالاً يخرج فيه من ضيق المسائلة إلى فضاء الأعذار وحين ينجح في خلق تلك الحجج الكافية لإعذاره تعرض له هذه الآية وجهاً لوجه (بل الإنسان على نفسه بصيرة ولو ألقى معاذيره)، كأنها تحاكمه وتذكره وتقول له:
يكفي هذا اللجاج والخصومة التي تود أن تخرج فيها من ساحات الناس، والحقيقة الكبرى هي ما بينك وبين نفسك فحسب وليس للناس من ذلك شيء.
رمضان من أعظم الفرص لفتح كشوفات حساباتنا، وعرضها، وتصفيتها وإعادة بنائها من جديد (رغم أنفه … من أدرك رمضان فلم يغفر له )، كم نحن بحاجة في هذا الشهر إلى إعادة النظر في واقعنا، وإعادة ترتيب حياتنا، وتشكيل أهدافنا، وتنظيم أمورنا لنبدأ رحلة الحياة بوعي أكبر.
ثمة كشوف كثيرة تحتاج إلى عرض ونقد يأتي على رأسها علاقتنا بالله تعالى، وعلاقتنا ببيوتنا، وأسرنا، وأرحامنا، وجيراننا، وكشوف أهدافنا ومشاريعنا.
وإذا كان التاجر يصنع من شهر رمضان حكاية لترتيب تجارته فكيف لا يصنع صاحب الأهداف والمشاريع والرؤى والأحلام من هذا الشهر حكاياته وتحدياته!
إن حديث نبينا صلى الله عليه وسلم: (رغم أنفه … من أدرك رمضان فلم يغفر له)، يذكّرنا بأن من لم يعد النظر في واقعه وترتيب نفسه من جديد فاته من الفقه في هذا الشهر ما يستحق به العزاء.