رمضان يبني القيم

رمضان والجود

رمضان والجود
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، وبعد:
كان النبي صلى الله عليه وسلم أجود الناس، وما سئل شيئاً إلا جاد به، وعلمنا صلى الله عليه وسلم أن العطاء فن، وأن الحياة تقف مُجلة للذين يحسنون فنون هذا المعنى الكبير في واقع حياتنا.
في شهر رمضان تتوسّع دائرة هذا المعنى في حياة نبينا صلى الله عليه وسلم (وكان أجود ما يكون في رمضان)، وقد دعا صلى الله عليه وسلم لهذا العطاء وهيّج لبعض صوره في رمضان فقال صلى الله عليه وسلم: (من فطّر صائماً كان له مثل أجره)، وحاول الشرع جاهداً في التنفير عن صور الأخذ، ومد يد السؤال، وقبّح صوره للدرجة التي كان سوط الراكب من صحابته الكرام يسقط وهو على ظهر بعيره وينزل ليأخذه تعففاً عن السؤال وترفعاً عن منازله.
ما أحوجنا إلى التخلّق بأخلاق الكبار في كل وقت وفي شهر رمضان بالذات، العطاء والجود والكرم هي باعث الأشواق في حياة الآخرين.
فالوقت الذي تهبه لمحتاج من أثمن ما تجود به في واقعك وفي الحديث قال صلى الله عليه وسلم (لئن أمشي مع أخي في حاجة أحب إلىّ من أعتكف شهراً في مسجدي هذا)، وقتك الذي تدفعه من عمرك للإصلاح بين اثنين، أو لمِّ شعث أسرة، أو لعون محتاج أو لمد رسالة، وتكثير واقع بالخيرات من أعظم ما تجود به في عمرك وتاريخك، ومالك الذي تدفع به حاجة والدك أو أمك أو حتى أخيك وصديقك وجارك ومن يشرف بك على مباهج الخيرات، ويكتب لك في النهاية فوز الدارين، وأخلاقك التي تهب منها لأهل بيتك وأصدقائك وجيرانك هي كذلك من أعظم ما تقدمه من الجود والعطاء.
رأيت في الحرم أناساً يتفننون في هذه القيمة حسب وسعهم فأحدهم يوزّع ماءً، وآخر يهدي أكياساً، وثالث يهدي فايناً، ورابعاً يجود بقهوة، وخامساً يطوي بقايا الطعام، وسادس، وسابع وثامن وعاشر يتعلمون من خلال هذه الصور معاني جديدة للحياة.
إننا حين نتقاسم هذا المعنى تتضاءل مساحة الأنانية في حياتنا، وتتقلّص درجة الفردية في واقعنا، وتبدأ رحلة الجماعة خطواتها المثيرة في واقع العمل والبناء.
وإذا رأيت أمة تتعاضد في مثل هذه الصور ويجود بعضها لبعض بمثل هذه المعاني فارقب فلاحها في الدارين.