بوح المشاعر

قصة واقعية

قصة واقعية
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، وبعد:
ألقيت ذات مرة موعظة في أحد المساجد وفي نهايتها أشار إلىّ كبير سن فجلست إليه في جانب ذلك المسجد وقال لي جزاك الله تعالى خيراً إلا أنك لا تتكلّم في الأشياء المهمة، ثمة قضايا أكبر من التي تتحدّث فيها لم تطرقها في حديثك ثم قص لي خبره، قال: كثيرة هي المرات التي يأتي فيها ولدي بعشاء لزوجه وإذا أوشك على الدخول أدار لي ولأمه ظهره حتى لا نرى ما في يده! ثم قال: هذه يا ولدي صورة واحدة من صور كثيرة لعلك تخصها بحديثك فيما بعد!
وبعد مدة وقفت لأتحدّث عن الموضوع فقلت للحاضرين: من منكم زوجه أفضل من أمه؟! فقالوا ولا عاقل يمكن أن يقول ذلك! فقلت لهم سأطرح عليكم جملة من الأسئلة ويمكن أن نعيد ذلك السؤال؟ كم تُعطي زوجك من المال في كل شهر وكم تعطي أمك؟ كم مرة كسوت زوجك وأعطيتها هدية وكم في المقابل منحت أمك من هذا المعنى؟ كم مرة خرجت بزوجك مستمتعاً في الصيف وكم في المقابل خرجت بأمك على الأقل للعمرة؟ أين تسكن زوجك؟ وأين تسكن أمك؟ فإن كانت أمك رحلت فلا أقل من أن تسأل نفسك كم يأخذ الدعاء لها من وقتك؟ وكم دفعت لها من مال في أوقاف خيرية تعيد به لها جميل الأيام؟!
وخرجت من ذلك الجامع فتبعني أحدهم وقال لي: دخلت على عجوز مسنة وهي تبكي فسألتها قالت: يا ولدي ما أكلت من يومين! فقلت لها لماذا؟ قالت انتهت اسطوانة الغاز فقلت لها ولماذا لا تخرجين للشارع وأي مار يراك ويكفيك مؤنته ؟ قالت: يا ولدي لا أملك مالاً لتعبئتها! ولدي أخذ بطاقة الضمان قبل سنتين ولم يعدها لي، ولم أره من زمن!
ثم قال لي: ولدها معلم يسكن بناء فخماً ولا يفصله عنها سوى أمتار! يا أيها الأبناء الرفق الرفق بأمهاتكم! هذه التي لم تنل منك شيئاً اليوم هي ذاتها التي دفعت لك بالأمس مشاعرها، ومالها، وأوقاتها، وما زالت إلى اليوم تدفع لك كل أحلامها!
مسكين ذلك الذي تمرّغ أنفه بالرغام لفوات الفرص! قال صلى الله عليه وسلم: (رغم أنفه ! من أدرك والديه أحدهما أو كلاهما فلم يدخلاه الجنة) مسكين ذلك الذي استجلب سخط الله تعالى بسخط والديه قال صلى الله عليه وسلم: (رِضَا اللهِ فِي رِضَا الْوَالِدَيْنِ، وَسَخَطُ اللهِ فِي سَخَطِ الْوَالِدَيْنِ)
واشوقاه إلى خطو أم في رحاب بيت !!

 

د. مشعل بن عبد العزيز الفلاحي
الجمعة 10/11/1435هـ