حين أفاض الله تعالى في الحديث عن تقرير فرضية الصيام، وأبان جملة من أحكامه انتقل لبيان قُربه تعالى من عباده وإجابته لدعائهم دون مقدمات (وإذا سألك عبادي فإني قريب أجيب دعوة الداعي إذا دعان).
في إشارة لطيفة لأهمية الدعاء في مواسم الخيرات، وحين تقرأ القرآن يدهشك لهج الكبار بالدعاء، واستشعارهم لأثره، وإدراكهم لما يتركه في حياتهم من مباهج ولو بعد حين. ولو فتحت سورة الأنبياء فقط لاستوقفك كثرة نداء الأنبياء لربهم ففي معرض قصة أيوب عليه السلام: (وأيوب إذ نادى ربه)، وفي ختام قصة يونس: (فنادى في الظلمات)، وفي مشاهد قصة زكريا (وزكريا إذا نادى ربه) وكل هذه النداءات كانت مؤذنة بمشاهد كبيرة وعظيمة في الختام تتمثّل في قول الله تعالى لكل هؤلاء (فاستجبنا له) فشفي بها أيوب من مرضه، وخرج بها يونس من أزمته ومحنته، ونال بها زكرياء ولداً وصلاحاً في أهل وذريته.
لقد حدد الخليفة الراشد عمر رضي الله تعالى عنه مشكلتنا في هذا الجانب العبادي الكبير فقال: (إني لا أحمل هم الإجابة وإنما أحمل هم الدعاء )، وإذا أردت أن تعرف أثر ما قاله الخليفة الراشد فانظر كم تدفع من وقتك لسؤال ربك! كم من وقت تهبه لسؤال حاجتك! كم مرة في يومك وليلتك تنيخ مطاياك لله تعالى وتسأله فواتح الخيرات. كم من مؤمِّل بالدعاء ؟ وكم من محروم بفواته من وقته؟
وإذا أردت أن تعرف قدر الدعاء فتأمل قول نبيك صلى الله عليه وسلم: (إن الدعاء ينفع مما نَزَلَ ومما لم يَنزٍل فعليكم عباد الله بالدعاء ) وقوله صلى الله عليه وسلم: (لا يرد القضاء إلا الدعاء) وقوله صلى الله عليه وسلم: (لا يزال القضاء والدعاء يعتلجان ما بين الأرض والسماء) أي يتصارعان فأيهما غلب أصاب.
فأقبل على ربك، وألح عليه في الدعاء، وأدمن الوقوف على باب الرجاء ولا تدع الفرص تفوتك فيفوتك بفواتها أرباح الدارين.