يدهشني كثيراً منظر تلك الأسر عند الإفطار وهي ترقب الرطب وتقدمه على كثير من شهواتها، وتراه أهنأ لها من غيره، لا لذته فغيره أشهى وألذ، وإنما إحياء لسنة نبيها صلى الله عليه وسلم فقد كان يفطر على رطبات.
الأكثر في الدهشة أنه قد يتأخر هذا الرطب، ولا تجده الأسرة لحظة الآذان وتبقى تبحث عنه، وتكد في طلبه وتضحي بوقتها من أجله كل ذلك إجلالاً للسنة وتعظيماً للوحي رغم مساحة الشهوات الممتدة على طاولة الإفطار تلك اللحظة.
ماذا لو امتد مشهد الحرص على الرطب لحظة الإفطار في رمضان إلى مشاهد حياتنا التي نعيشها كل يوم! كيف لو أن الإنسان صار يتحرك في بيته على هدي وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وتمتد السنة في حياته، في طريقه ومسجد حيه، وتمضي في رحلة أوسع لتشمل التعامل مع جيرانه وأصدقائه، وتصحبه إلى سوقه في بيعه وشرائه، وتكون منهجاً حياتيا يأتي على سائر حياته!
ماذا لو انتقل هذا المشهد المثير مشهد انتظار الرطب لحظة الإفطار إلى بيتك فتتحوّل سنة نبيك صلى الله عليه وسلم التي تقرؤها وترددها في حياتك إلى منهج في التعامل مع زوجك وولدك (خيركم خيركم لأهله) وتطول جيرانك (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره) وتصبح جزءاً مثيراً في حياتك مع صديقك وعاملك وصاحبك وجماعة الحي ومن تتعامل معه في الطريق العام (إن أحبكم إليّ وأقربكم مني مجلساً يوم القيامة أحاسنكم أخلاقاً) لتبني من خلال هذه السنة مباهج العمل في واقع الحياة كلها. لم تعد هذه الأسرة التي تنتظر الرطب في مشهد الإفطار تفرّق بين سنة وواجب وإنما باتت تشعر بأن الحياة كلها وقف على تمثّل هذا الدين في واقع حياتها، تنتظر الرطب وهي في ذات الوقت تنتظر آثار هذا المعنى الكبير في مستقبل أيامها (قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم)
وهذه والله مباهج الحياة التي عاشتها تلك الأجيال في زمن النبوة! لم يقتل الأمة شيء اليوم كما قتلها هذا التفريق بين ما هو سنة وواجب، حرام ومكروه لا لتعرف به الفرق بين أحكام الله تعالى وإنما لتجد به فرصة للخروج من تبعة العمل والاقتداء.
يا أيها الصائمون:
مدوا في مشهد الرطب والحياة به في كل شيء تأخذونه في الحياة، وتمسكوا بهذه الشريعة لعلكم تبلغونها بها ومن خلالها أفراح الحياة.