الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، وبعد
هل فكّرت في مشروعك الرمضاني! أم ما زلت تنتظر! هل عزمت النية هذا العام أن تكتب لنفسك مشروعاً يعبر عن شخصيتك ويكتب أثرك!
ها هو رمضان يعود، وها هي نعم الله تعالى تتجدد عليك من جديد! ها أنت ما زلت حياً وغيرك رحل! ومعافاً في بدنك وغيرك مريض، وحراً طليقاً وغيرك في غياهب السجون فماذا تنتظر!.
هذا يرتّب مكانه، وذاك يعد حاجاته وأشيائه، وثالث ورابع وخامس، وأنت ما مشروعك الذي تستقبل به شهرك، وتستثمر به فرصتك وتملأ به فراغك، وتبني به مستقبلك!
ما أكثر ما تلوح الفرص وما أكثر ما تضيع ! وكم من فائت لم يجد فيه البكاء شيئاً!
يمكن أن يكون مشروعك توبة صادقة تستدرك بها ما فرط، وتستقبل فيها عفو ربك ورحمته ورضاه.
كم بينك وبين الله تعالى من موبقات وأخطاء وخلوات لعله آن أوان الفكاك منها و التخلي عنها وسترها عن السؤال والنقاش!
علّق فلاحك وتزكيتك وأفراح مستقبلك على توبتك وحسن عودك وإصلاح ما بينك وبينه ( وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) بل بلغ فرح ربك بك وبإقبالك إليه وإحسان ما بينك وبينه إلى صورة لا تتخيلها (الله أشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ الْمُؤْمِنِ، مِنْ رَجُلٍ فِي أَرْضٍ دَوِّيَّةٍ مَهْلِكَةٍ، مَعَهُ رَاحِلَتُهُ، عَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ، فَنَامَ فَاسْتَيْقَظَ وَقَدْ ذَهَبَتْ، فَطَلَبَهَا حَتَّى أَدْرَكَهُ الْعَطَشُ، ثُمَّ قَالَ: أَرْجِعُ إِلَى مَكَانِيَ الَّذِي كُنْتُ فِيهِ، فَأَنَامُ حَتَّى أَمُوتَ، فَوَضَعَ رَأْسَهُ عَلَى سَاعِدِهِ لِيَمُوتَ، فَاسْتَيْقَظَ وَعِنْدَهُ رَاحِلَتُهُ وَعَلَيْهَا زَادُهُ وَطَعَامُهُ وَشَرَابُهُ، فَاللهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ الْعَبْدِ الْمُؤْمِنِ مِنْ هَذَا بِرَاحِلَتِهِ وَزَادِهِ).
فتجمّل للقاء ربك، وأعد هذا الشهر من أعظم الفرص لبناء نفسك، واستعد أن تخوض رحلة الاستعلاء على شهواتك، وابدأ صفحة جديدة في دنياك وقد تأتي من خلال هذا الباب على كل شيء في النهايات.
ويمكن أن يكون مشروعك تجديد الصلة بالله تعالى في سائر شؤونك وإعادة ترتيب عبادة، ماذا لو أخذت فرصة لمراجعة عباداتك التي تقوم بها لربك وهل أخَذَتْ حقها من الإخلاص والصدق والإقبال والرغبة فيما عند الله تعالى أو هي مجرد صور لم تأخذ حقها من واقعك فضلاً أن يمتلئ منها قلبك ووجدانك وتفيض لها مشاعرك روحاً ومعنى!.
إن العبادة ليست صورة نؤديها ونتخلى عن مسؤوليتها، وليست تكليفاً نلقيه عن ظهورنا ونتخلّص منه بأقرب طريق، كلا ! لم تكن كذلك يوماً ولو كانت كذلك لكانت آساراً وأغلالاً.
العبادة روح ومعنى ومشاعر تتدفّق في قلبك فتلهمك الحياة، تشعرك بوجودك، تفتح بينك وبين ربك باباً تلتقي به كل يوم لا لتتخلّص من واجبه وإنما لتبث شكواك إليه، وتفيض بمشاعرك في مناجاته، ويهبك حين يراك مطيعاً مقبلاً كل شيء.
العبادة باب بينك وبين ربك إذا أحسنت قرعه في الوقت المسموح لك جاءك منه كل شيء، وإذا لم تحسن قرعه ربما لم يصلك إليك من ذلك الباب شيء.
أعد النظر في صلاتك هل هي تلك الصلاة التي تنفصل فيها الحجب بينك وبين ربك! هل هي تلك الصلاة التي تشعر فيها أنك تكلم ربك ليس بينك وبينه ترجمان ! هل هي تلك الصلاة التي تقول فيها (الحمد لله رب العالمين) وأنت تستشعر رحمته التي أحاطت بك! أو تكرر (الرحمن الرحيم) وتجد أنك تستجر هذه الرحمة في واقعك ! أو تلك الصلاة التي تعترف فيها أنك عبد لله تعالى لا تتخلّف عن عبوديتك (إياك نعبد، وإياك نستعين) أو تلك التي تزدلف فيها بين يدي ربك في كل مرة وأنت تسأله وتلح عليه في كل ركعة (اهدنا الصراط المستقيم).
من فضلك عُد مرة أخرى لسؤال نفسك ما قصة صلاتك وخشوعك ورغبتك ورهبتك في كل مرة تستقبل فيها ربك!
ما أحوجنا في هذا الشهر إلى إعادة مباهج هذا المعنى الكبير في نفوسنا من جديد، تأمل في دعائك فرق كبير بين إنسان يسأل الله تعالى أن يهبه توفيقاً وفلاحاً ورشداً، ويصرف عنه موبقات الحياة، وآخر حين يقول يا رب يرددها حتى أنك لتشعر أنها تشق عنان السماء من حنينها وألقها ومشاعرها فلا يكاد يقف دون أمانيها شيء.
لو لم يكن في هذا الشهر إلا إعادة وهج هذا المعنى وبريقه في واقع نفوسنا لكان شيئاً يستحق الإجلال والإكبار.
أعد النظر في قلبك تأمله هل ترى فيها هجراً ونفاقاً وحسداً وظلاماً قد تقف حائلة بينك وبين أمانيك! وسل نفسك كيف تصنع منه قلباً وارفاً بالأفراح! كيف تعيد تلك الصلات المقطوعة، وترم تلك الخلافات والنزاعات التي طال زمان انتظار الوفاق فيها وتذكّر أن عملك موقوف على صلاح قلبك وسوءة القلب مانعة من قبول العمل وعثرة في سبيل رضا الله تعالى على صاحبها (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ. أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ) وقاك الله تعالى بوائق الحرمان .
ويمكن أن يكون مشروعك في هذا الشهر رحلة تدبر في كتاب ربك تستقطع فيها جزءاً من كل يوم لاستشعار ما في هذا القرآن من أحداث! يا الله لو أنك قررت هذا الشهر أن تعيد علاقتك بالقرآن، وأن تتحوّل من قراءة الحدر التي ترقب فيها أجراً عاجلاً أو حسنة في الميزان إلى تلك القراءة التي تكشف لك الحُجُب فيما بينك وبين الله تعالى!.
ماذا لو أنك قررت هذا الشهر أن تلقي برحاب قلبك ووجدانك ومشاعرك بين أوراق هذا الكنز لتكتشف أسرار الحياة من جديد! والله الذي لا إله إلا هو إن تدبر القرآن حياة عاجلة لا ثمن لها في الحياة (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ. قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ).
كل ما عليك أن تأخذ تفسيراً مختصراً وتبدأ فيه بتأمل آياتك التي تقرؤها أو السور التي قررت أن تتدبرها وتهب لهذا الوقت قلبك ومشاعرك وتسأل الله تعالى ملحاً أن يهب لك من أسرار توفيقه ما يعينك على بلوغه ، وأحسن من هذا أن تنضم لمجموعة في حيك، أو مسجدك فيها من طلاب العلم ما يفتح عليكم ببعض شجون هذا المعنى الكبير، أو يمكنك أن تبحث عن كتابي (رحلة تدبر جزء عم وتبارك) مطبوعاً أو من خلال الشبكة العنكبوتية وتأخذ منه جزءاً فسترى فيه إن شاء الله تعالى الحياة، المهم أن تقبل وأنت تريد فتوحات الله تعالى وأسراره وتتمسك بعنان ذلك جاداً .
ويمكن أن يكون مشروعك الدعوة إلى الله تعالى وتشعر بأن هذه الأيام من أعظم الفرص في حياة الدعاة والمصلحين وذلك من خلال لقاءاتك بالشباب أو الأسر والأرحام أو من خلال برامج المجتمع والمساحات الممكنة كل في شأنه ودائرته ومساحته فلأن يهدي الله تعالى بك رجلاً خير لك من حمر النعم! المهم أن تكون فطناً ملهماً تعرف كيف تدلف على القلوب بفن! وكيف تبلغ مقصودك من أقرب الطرق! وما الوسيلة الراقية والمؤثرة وكيف تسلك سبيلها إلى قلبه من غير ضجيج! ومثلك أوعى بأن نتائج هذا المشروع أوقافاً بشرية تجري عليك مدى العمر!
ويمكن أن يكون مشروعك القيام على حوائج الناس وإعانتهم والقيام على إطعام جائعهم وسد حاجتهم ما أمكن ذلك، ويكون مع ذلك وبجواره وفي دثاره كلمة صالحة، وجميلاً يصنع الحياة، ومواقف تأتي منها على تعبيد هؤلاء في النهاية لله تعالى.